قلقٌ رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل على لبنان. يقلّ في الكلام، بسبب الظروف والوقائع، وحزنه على فقدان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فما حدث لم يكن لأحد أن يتخيّله. يستذكر ما قاله لمسؤولين في حزب الله، وما كان قد نقله الرئيس ميشال عون لمسؤولي الحزب حول وجوب عدم التورط بهذه الحرب، لأنها ستكون حرباً غير كل الحروب بمخاطرها ونتائجها وتداعياتها. وقد قال عون صراحة لحزب الله إنه يتخوف عليهم وعلى مصير لبنان. في مقابل الإقلال من الكلام، يكثر من الحركة. فـ”الفراغ الذي تركه نصرالله كبير والمخاطر على الوطن كثيرة، ولن يكون من السهل مواجهتها إلا بتعزيز الوحدة الوطنية والتضامن بين اللبنانيين لمواجهة العدوان وتحصين الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي”.
لا للخلافات
يبدأ كلامه بالحديث لـ”المدن” عن “أهمية التواصل والتحاور بين الجميع، وإبعاد أي تشنّج أو استفزاز أو تصفية حسابات في هذه المرحلة، فكلّها سيستغلها الإسرائيليون لفرض وقائع جديدة، وهم أكثر من يجيد الاستثمار في نكء الجراح، أو اللعب على أوتار الانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية”. يستذكر حواراته الطويلة مع السيّد نصرالله حول “معادلة الردع التي تشكّل مظلة تعزز قوة لبنان، وتستفيد منها الدولة في حال تمكّن اللبنانيون من إقامة دولة محرّرة من الفساد”. الآن تغيّر الوضع بالنسبة إليه، “نصرالله كان أكثر من يمكنه تأمين الخروج بانتصار سياسي من هذه الحرب، التي استخدمت فيها إسرائيل الأسلحة المحرمة دولياً لإلحاق انكسار عسكري بالحزب وبلبنان”.
تفاصيل المبادرة
“الوقت ليس للخلافات”، يقول باسيل، و”ليس لمحاولة استقواء طرف على الآخر. مررنا بتجارب كثيرة ومخاطر كبيرة أُريد فيها فرض وقائع ظالمة على لبنان، ولكننا تجاوزناها بفعل توحيد الموقف الداخلي”.
على هذا الأساس يتحرّك باسيل في مبادرته الجديدة، التي تقوم على التواصل مع كل القوى السياسية ومع الجهات الدولية المعنية بلبنان. حركة هدفها الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة. ويؤكد “هذه المبادرة بحثتها مع الدول الخمس المعنية بلبنان، فأوفدت شخصاً للأميركيين وآخر للسعوديين، لأن السفير غير موجود في لبنان، والتقيت بسفراء فرنسا، مصر وقطر، والتقيت بالسفير البريطاني وبالممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة، ووضعتهم في صورة هذه المبادرة”. وهو أيضاً ما بحثته خلال زيارتي الأخيرة إلى قطر. ويضيف: “لم يطلب مني القطريون انتخاب أي اسم (للرئاسة)، وهم ليس لديهم مرشحّ. ويشددون حالياً على ضرورة وقف إطلاق النار. وهذه هي الأولوية. أما في الملفات السياسية، فيؤكدون على التفاهم الداخلي، وهم لديهم كل الوعي والحرص على عدم فرض مرشح على الآخرين، لأنه سيؤدي إلى مشكلة في لبنان، ولا ينتج حلاً”.
يفصّل باسيل مبادرته ويقول: “تقوم على ضرورة وقف إطلاق النار، والأهم شرح مخاطر عودة الاحتلال الاسرائيلي لبنان. فذلك سيحوله إلى ساحة حرب مفتوحة. لن يتمكن الإسرائيليون من إلغاء المقاومة، بل ستولد حركات مقاومة، وتتعزز رؤية حزب الله، ويفتح المجال أمام دول كثيرة للعمل على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن إيران لن تقبل أن ينكسر حزب الله أو تنكسر هي”.
ويضيف باسيل: “شرحت مخاطر إطالة أمد تهجير الشيعة من مناطقهم ومنازلهم، وأن ذلك سيشكل خطراً كبيراً، اجتماعياً وأهلياً. وهذا المسار لا يمكن أن يكون بدافع الحرص على لبنان بل يقود إلى تدميره”. يؤكد باسيل أن “لا أحد من اللبنانيين يريد للبنان أن يكون ساحة صراع إيراني إسرائيلي مباشر، ولا تحويله إلى ساحة حرب أهلية تتداخل فيها جهات عدة من الداخل والخارج”. ولذلك يشدد على التمسك والالتزام بتطبيق القرار 1701.
الحرب الطويلة
في قراءته لمسار الحرب، يعتبر أنها على ما يبدو ستكون طويلة جداً. و”نتنياهو يستغل كل الظروف لإطالتها ويكذب على الجميع، ولا يستجيب للمبادرات ويستغل التفاوض لأجل تنفيذ المزيد من العمليات التصعيدية. والهدف الإسرائيلي واضح، وهو إنهاء حزب الله، وليس تطبيق القرارات الدولية كما يتوهم البعض في لبنان، لا الـ1701، ولا الـ1559. لذلك لن يكون الإسرائيلي قادراً على تحقيق هدفه إلا من خلال توسيع عملياته والقيام باحتلال جديد”.
يعتبر باسيل أن أي احتلال إسرائيلي لجزء من لبنان “سيغرقها في وحل لا يمكنها الخروج منه. وإذا كانت بعض الدول تدعمها، فستكتشف خطأها الكبير. وحينها لن يكون حزب الله وحده هو الذي يقاوم بل كل الطوائف ستقاتلها وتواجهها. لأن الناس تريد أن تدافع عن بلدها وأرضها وأرزاقها”. ويشير إلى أن “نشوة النصر التي يعيشها نتنياهو لا تكفيه، وحتى لو دخل برياً، لأن ذلك لا يدوم”.
الرئيس التوافقي
الجزء الثاني من المبادرة هو “انتخاب رئيس جمهورية توافقي، لإعادة إطلاق مسار بناء الدولة، من خلال التفاهم بين مختلف المكونات، خصوصاً أن حزب الله بحالته السياسية والشعبية لا يمكن أن ينتهي. لذلك يجب أن يكون هناك دولة قادرة على إعادة إحياء عمل المؤسسات، وإعادة الدور والاعتبار للدولة اللبنانية، وليس فقط أن تكون المسؤولية على الرئيس برّي، الذي يقوم بدور وطني ومسؤول ويتعامل بحكمة كبيرة في كل ما يقوم، ولكنه لن يكون قادراً وحده على تحمّل ذلك”.
يؤكد باسيل أن ما يقوم به حالياً، هو “جمع الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية والتي يجري التداول بها، ووضعها ضمن سلّة شاملة لمناقشتها مع جميع الكتل والقوى السياسية، بهدف الوصول إلى أكبر قدر من التفاهم على شخصية قادرة على تحصيل 86 صوتاً، أي النصاب الدستوري لعقد الجلسة”.
ولدى سؤاله عن الأسماء التي تضمّها اللائحة، يؤكد أنها “تحتوي على كل الأسماء المطروحة من دون تبنّي أي اسم”. ولدى سؤاله إذا كان ذلك ينطبق على إسمي سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون، قال: “نعم بالتأكيد أيضاً، وأدرجنا اسم سمير جعجع ضمن المرشحين”. يشكل طرح اسم سمير جعجع كمرشح رئاسي في لائحة باسيل مفاجأة. لكن الرجل يقول “إنها ليست مفاجأة، الرجل اسمه مطروح وهو يطرح نفسه، ولا يمانع في حال توفر الدعم له. ونحن مستعدون لمساعدة سمير جعجع، ولكن غير قادرين على مساعدته في وجه كل اللبنانيين”، و”منحب نساعدو لتحقيق أحلامه وطموحاته ولكن مش مشاريعه”.
وحالياً، يتم التداول بكل هذه الأسماء لمعرفة مدى وحجم التقاطع بين الكتل. ويشير إلى أنه في “حال توفرت الإرادة الداخلية، فإن التوافق حاصل على المبدأ وهو رئيس توافقي”. ويقول: “يجب عدم إضاعة فرصة انتخاب رئيس. فلاحقاً، قد لا نتمكّن من ذلك، وليس من مصلحة أحد انتظار مسار الحرب ونتائجها”.