إذا عُرِف السبب، بطل العجب. منذ ايام، تتكدس جموع من السوريين عند معبر المصنع الحدودي، وفي المنطقة الفاصلة بين سوريا ولبنان، وقد دفعوا الى الواجهة الامامية النساء والاطفال، فيما ظل الرجال في الخطوط الخلفية، لتغليب الطابع الانساني على النازحين الجدد. واذ اتخذ الامن العام اللبناني اجراءات متشددة لمنع دفعات جديدة من النزوح باتجاه لبنان، انطلقت حملة اعلامية شعبية سياسية ضاغطة من اجل فتح المعبر امام هؤلاء. وتبيّن أنّ النازحين الجدد هم من الطائفة الشيعية الذين ناصروا النظام السوري الأسدي، وافادوا من امتيازاته في الاستقواء على مواطنيهم الاخرين، فإذ بهم بين ليلة وضحايا يتحولون ايتام نظام بشار الاسد الذي فرّ الى روسيا بصفقة تخلى فيها عن كل الحلفاء والمناصرين، واوقع حليفه “حزب الله” ومن ورائه طهران، في مأزق سياسي عسكري.
وفي إطار الضغوط المعلنة من “حزب الله”، غرّد رئيس مجلس بلدية الغبيري معن الخليل عبر منصة “إكس” قائلاً: على مدى ثلاثة عشر عامًا مضت، فتح لبنان أبوابه أمام أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، معظمهم من الطائفة السنية، هاربين من جحيم القتل والجوع والذبح. دخلوا البلاد تحت مظلة الإشراف الأممي، وبفضل دعم دولي وتمويل عالمي لا يُحصى. تحرّكت الجمعيات والمنظمات، وأضاء الإعلام صورة إنسانية براقة عن استقبال اللاجئين، فكان لهم ما يُكفل به الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
أما اليوم، وفي صورة معكوسة، نجد أنفسنا أمام مشهد مأسوي مختلف. قلة قليلة من السوريين من الطائفة الشيعية، الذين فرّوا من الموت والتنكيل والذبح، يقفون عند معبر المصنع الحدودي في مواجهة مصير قاتم. نساء وأطفال، أُرغموا على افتراش الأرض الباردة والتحاف سماء الجليد القارسة. لا طعام، لا ماء، لا خدمات صحية، لا مأوى يقيهم من برد الشتاء، ولا يد تمتد لتمسح عن وجوههم الذل والخوف. وذنبهم الوحيد أنهم من شيعة سوريا”.
ونقل عدد من المتابعين الى “النهار” عن تجاوب الامن العام مع الضغوط، اذ ان بيانه عن الحالات الانسانية، لم يأت من عدم، وانما تلبية لحركة الاتصالات الواسعة التي انهالت على قيادته، وقد سمح بادخال مجموعات من النساء والاولاد في فترة ليلية خفّت فيها الحركة عند المعبر، وتخوف المتابعون من ان يكون هؤلاء دخلوا من دون التدقيق في بياناتهم، اذ ان بعضهم خرج من منزله في محيط مقام السيدة زينب من دون اوراق ثبوتية، وبالتالي فان دخولهم الى لبنان غير شرعي، واقامتهم ستتحول دائمة، اذ ان عودتهم الى بلادهم باتت صعبة حالياً، وسيتحول هؤلاء عبئاً اضافياً على الاقتصاد اذ ان مساعدات الامم المتحدة لا تشملهم.
وفي حال تقديم التسهيلات الحدودية من البوابة المذهبية، فان طوائف اخرى قد تطالب بالمعاملة بالمثل، خصوصا ابناء الطائفة العلوية، والمذاهب المسيحية، اضافة الى اهل النظام الى اي مذهب انتموا. وهذا ما سيجعل لبنان عرضة لاجتياح جديد من النازحين السوريين.