شكّلت الحركة المفاجئة التي بدأها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في اتجاه القوى السياسية المختلفة، بما فيها اللقاء مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، حدثا ساهم في تحريك المياه الراكدة على الساحة السياسية، وأثار الاهتمام لجهة تفسير مغزاه واهدافه. وكان السؤال المحوري في هذا الشأن: هل يعتبر هذا التحرّك، وبرغم طابعه الاستثنائي المرتبط بالحرب الدائرة في غزة، واحتمال انتقالها الى لبنان، محاولة جدية لتحريك ملف رئاسة الجمهورية بهدف انجاز الاستحقاق في وقت قريب؟
لا شك في ان اصواتا كثيرة ارتفعت في خلال هذه الأزمة، للمطالبة بحسم ملف رئاسة الجمهورية في وقت سريع. واستند اصحاب هذا الرأي على المخاطر التي تحيط بالبلد في حال وصلت الحرب اليه، في ظل الفراغ الرئاسي، ووجود حكومة تصريف اعمال، بالكاد هي قادرة على تسيير الامور بالتي هي احسن في ايام السلم، فكيف ستتصرّف في حال وقوع الحرب.
ولكن هذه الدعوات بقيت من دون صدى، على اعتبار ان الانقسام القائم في شأن هذا الاستحقاق، وموازين القوى السائدة، لا تزال كما هي، وبالتالي، يصعب إحداث أي خرق في الجدار الرئاسي، ما دامت المواقف والموازين ثابتة على حالها. ولا يكفي الخطر المحدق بالبلد لتغيير هذا الستاتيكو القائم.
لكن تحركات باسيل دفعت الى طرح علامات استفهام اذا ما كان تغيير المواقف بات وشيكا. خصوصا انه كان معروفا انه في حال قرر باسيل السير بمرشح الثنائي الشيعي، سليمان فرنجية، فان فرص الاخير بالوصول تصبح مرجّحة، خصوصا اذا امتنعت القوى السياسية المعارضة عن ممارسة لعبة تعطيل النصاب، كما فعلت قوى 8 آذار، في المرحلة السابقة.
لكن القفز الى اية استنتاجات لا تقع في موقعها الصحيح، حتى الان على الاقل. وتشير المعطيات الى ان باسيل لم يصل الى مرحلة حسم موقفه، ودعم فرنجية. لكن، وبمجرد ان يقوم الاخير بزيارة زعيم المردة فهذا يعني الكثير، حتى لو تمّ تحت مسمّى التواصل مع الجميع لحماية لبنان من المخاطر المحدقة به. بل يذهب البعض ابعد من ذلك، من خلال التأكيد ان باسيل استفاد من هذا الوضع الاستثنائي لضرب عدة عصافير بحجر واحد:
اولا- الظهور بمظهر رجل الدولة الذي يفرّق بين التجاذبات السياسية في الوضع الطبيعي، وبين المواقف الوطنية التي ينبغي اتخاذها في الحالات التي يتعرض فيها الوطن الى الخطر الخارجي.
ثانيا- الافادة من هذا الوضع لاعادة التواصل مع اطراف سياسية كانت توجد بينه وبينها قطيعة. وهكذا استطاع باسيل لقاء نبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية، من دون أي حرج.
ثالثا- الافادة من الوضع الاستثنائي لاعادة التفاوض في الملف الرئاسي، في محاول لتحسين شروطه.
رابعا- إحراج منافسه الاساسي على الساحة المسيحية، حزب القوات اللبنانية، وإظهاره بموقف المعزول غير القادر على مواكبة حركته اللولبية على الساحة السياسية.
هل يعني ذلك، وبصرف النظر عمّا اذا كان باسيل نجح في تحقيق مراده من هذه الحركة المفاجئة، ان ملف الرئاسة تحرّك فعلا؟
من خلال ما اعلنه فرنجية بعد اللقاء مع باسيل، من الواضح ان الامور لم تصل الى مرحلة التفاهم علىى الملف الرئاسي، لكن اللقاء أذاب الجليد بين الرجلين، واصبحت امكانات التفاهم في المستقبل اسهل. اذ ان العلاقة الشخصية قبل هذا اللقاء، وصلت الى مرحلة مرتفعة من التوتر. وكان زوار الرجلين ينقلون دائما اجواء سلبية في شأن إمكان انجاز مصالحة، على اعتبار انهم كانوا يسمعون كلاما قاسيا من قبل فرنجية وباسيل على السواء. ووصل الامر الى حد ان احد الزوار نقل عن فرنجية، انه عندما جاءه احدهم واقترح عليه الانسحاب من السباق الرئاسي، لتسهيل الاتفاق على شخص ثالث، مقابل حفظ حصة لفرنجية في حكومات العهد المقبل، قال له فرنجية ان لديه شرط واحد، وهو ان يتعهد الرئيس المقبل، بتحطيم باسيل!
هذه الرواية، وبصرف النظر اذا ما كانت دقيقة ام لا، لكنها تعكس عمق المشلكة الشخصية التي كانت قائمة بين الرجلين. اليوم، ساهم اللقاء في بنشعي في ازالة مناخ التوتر، واصبحت العلاقة افضل بكثير. وبصرف النظر عن المسار الذي ستتخذه التطورات في المرحلة المقبلة، من البديهي ان “تطبيع” العلاقات بين فرنجية وباسيل سيكون له تأثيره على كل الحسابات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، متى حان الوقت لفتح وحسم هذا الملف.