«كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة» …بهذه الكلمات يمكن اختصار الكلمة المنتظرة التي القاها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وأبقى فيها الغموض قائما على مسألة وصول الحرب الشاملة الى لبنان. وبهذا الموقف، يكون قد زاد الغموض غموضا.
هذا الوضع، كان، ولا يزال مثار قلق دائم للحكومة اللبنانية، ولرئيسها نجيب ميقاتي الذي سلك كل الدروب في محاولة للحصول على تطمينات، ولم ينجح.
وقد جاءت الزيارة الخاطفة التي قام بها ميقاتي الى الدوحة في هذا الاطار. اذ أن كل المحيطين برئيس حكومة تصريف الاعمال، يؤكدون انه مسكون في هاجس انتقال الحرب إلى لبنان على مستوى واسع، وتكرار تجربة حرب 2006، وبنتائج كارثية اكبر.
ولم يكن ميقاتي يخفي هذه المخاوف، سواء من خلال الاتصالات التي حاول ان يجريها في الداخل، وتحديدا مع قيادة حزب الله، او من خلال الاتصالات التي قام بها بقيادات دولية. كما ان زوار الرجل كانوا يلاحظون مقدار القلق الذي يشعر به حيال هذا الملف. وينقل زوار عن ميقاتي، انه يردد دائما ان الحرب، وفي حال اندلعت هذه المرة فان اضرارها ستكون اكبر بكثير، وكارثية بالمقارنة مع الاضرار التي خلفتها حرب 2006. ويشير الى ان حجم الدمار سيكون اكبر، بدليل ما يجري في غزة التي تشكل نموذجا للاسلوب الذي يعتمده العدو الاسرائيلي في المواجهات العسكرية، بالاضافة طبعا الى ان الوضع في لبنان منهار هذه المرة، وبالتالي، ستكون التداعيات الاقتصادية والمالية والمعيشية كارثية على كل اللبنانيين. والى جانب كل ذلك، فان المجتمع الدولي، بما فيه الدول الخليجية، لن تكون مستعدة هذه المرة لتقديم المساعدات السخية الى لبنان بعد انتهاء الحرب، كما فعلت في العام 2006.
انطلاقا من هذا الكلام المنقول عن ميقاتي، كان الزوار يؤكدون ان رئيس حكومة تصريف الاعمال «مرعوب» وغير مطمئن إلى ما قد يجري في لبنان، ربطاً بالحرب في غزة.
بالاضافة إلى ذلك، لم ينجح الرجل في الحصول على ضمانات من اي طرف داخلي، او خارجي بابقاء لبنان خارج دائرة الصراع العسكري الواسع. والاجوبة التي تلقاها ميقاتي من قيادة حزب الله، كانت غامضة، ولا تقدّم او تؤخّر في تبديد المخاوف من انتقال الحرب الى لبنان.
والأدهى بالنسبة إلى ميقاتي، انه وبدلا من الحصول على تطمينات خارجية في شأن تحييد لبنان عن الحرب الشاملة، كان يتلقى تحذيرات غربية عبر الدبلوماسيين المعتمدين، من مغبة دخول لبنان الحرب. مع العلم، ان الدول التي وجهت مثل هذه التحذيرات تعلم ان القرار في هذا الموضوع ليس لدى الحكومة اللبنانية.
في هذه الاجواء الغامضة والمقلقة، جاء تحديد مواعيد لميقاتي لعقد لقاءات في الدوحة، في مقدمها اللقاء مع امير البلاد تميم بن حمد، بمثابة القشة التي يمسك بها الغريق في البحر.
ومن خلال التصريحات الرسمية، ومن خلال ما نقل عن اجواء ميقاتي بعد عودته من الدوحة، لا يبدو ان شيئا قد تغير قبل الزيارة وبعدها. صحيح ان ميقاتي حاول اضفاء مناخ ايجابي على النتائج التي عاد بها من الدوحة، الا ان المعلومات والمعطيات، وما نقل عن ميقاتي في مجالسه الخاصة، كلها تؤكد ان الدوحة لم تمنحه الضمانات التي يسعى اليها في شأن إبعاد لبنان عن الحرب الشاملة.
وفي هذا السياق، سمع ميقاتي في الدوحة كلاما مريحا لجهة الاتصالات التي تجري بعيدا عن الاضواء، في محاولة للوصول الى تسويات حول بعض الملفات، وفي مقدمها ملف الاسرى، بين العدو الاسرائيلي وحركة «حماس». ويعرف ميقاتي ان الدوحة تلعب دور الوسيط في هذه الاتصالات، بل انها قد تكون الوسيط شبه الوحيد القادر على القيام بهذا الدور. وسبق لموسكو ان حاولت القيام بوساطة محدودة تهدف الى تحرير بعض الاسرى الذين يحملون الجنسية الروسية الى جانب الجنسية الاسرائيلية، الا انها فشلت، بسبب رفض اسرائيل التعاطي معها كوسيط نزيه، اذ اتهمتها تل ابيب بالانحياز الى «حماس»، وقطعت الطريق على اية وساطة روسية في هذا الاتجاه.
ما يقوله ميقاتي اليوم امام زواره، انه اصبح اكثر تفاؤلا بامكان انقاذ لبنان من الوقوع في هذه الحرب، بعدما تبين له ان حزب الله يتصرف بمسؤولية ولا يسعى الى توريط لبنان. لكنه لا يزال متوجسا حيال النوايا الاسرائيلية، سيما ان بعض المؤشرات غير مطمئنة، ومن ضمنها استمرار إفراغ لبنان منالرعايا الاجانب، اذ تُقدم الدول تباعا على التخفيف من حجم موظفيها الموجودين في السفارات في بيروت، كما سبق لها ان نصحت رعاياها بمغادرة لبنان. وبالتالي، لا توجد تطمينات كافية بالنسبة الى رئيس حكومة تصريف الاعمال حيال تحاشي الحرب، وهو يتحرك مع الوزارات لاقرار خطط طوارئ تهدف الى التحضير لمواجهة تداعيات اية حرب قد تنشب، ويقول في الوقت نفسه لمن حوله: لنأمل أن لا نضطر الى استخدام هذه الخطط، لأن النتائج ستكون وخيمة على لبنان واللبنانيين.