أعاد التسريب الصوتي لمدير عام الامن العام السابق اللواء عباس ابراهيم، والذي يكشف فيه، ان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة طلب منه القيام بمسعى لدى المسؤولين السياسيين لاقناعهم بعدم اعلان التوقف عن دفع الديون الخارجية (يوروبوندز)، وامهاله ستة اشهر لمعالجة الأزمة، تسليط الضوء على الاخطاء التي ارتكبت في مقاربة الانهيار المالي، وفي الوقت نفسه أعاد تسليط الضوء على مصير سلامة، ولماذا اختفت اخباره، وغابت عن الاضواء مسألة الملاحقات في حقه.
في الموضوع المرتبط بما كشفه ابراهيم، في شأن وقف دفع الديون، يتبين ان الدولة، بكل اجهزتها كانت تريد وقف الدفع، ربما لأن المستشارين الاقتصاديين الذين كانوا الى جانب المسؤولين السياسيين في ذلك الوقت، قدموا النصائح الخاطئة في حينه. كما كان هناك جو شعبي ضاغط في اتجاه وقف الدفع، بعد حملات اعلامية صوّرت عملية الامتناع عن دفع الديون وكأنها خشبة خلاص للبلد، وان استمرار الدفع سيؤدي الى كارثة. ولاحقا، تبين ان العكس صحيح. هذه التجربة تؤكد المؤكد، وهو ان المسؤول ينبغي ان يتخذ قرارات غير شعبية في بعض الاحيان، حتى لو خسر من رصيده الشعبي، لأن انقاذ الدولة، اولوية لا يمكن ان تتقدّم عليها مسألة حسابات الربح والخسارة في اللعبة السياسية الضيقة.
في كل الاحوال، هذا الموضوع اصبح وراءنا اليوم، ولكنه فتح باب النقاش في شأن محاسبة من اخطأ. وهذا المبدأ ينبغي ان يُطبّق على حاكم مصرف لبنان السابق اولا.
وفي الحديث عن هذا الملف، لا بد من طرح الاسئلة التالية:
اولا- من هي الجهات التي تحمي رياض سلامة اليوم، في اقامته وتنقلاته، سيما انه بقي في لبنان، ولن يغادر البلد في المرحلة المقبلة؟
ثانيا- لماذا غابت الملاحقات القضائية المحلية عن المتابعة، ولم يعد يُسمع بأي تطور في هذا المجال؟
ثالثا- لماذا غابت عن الاضواء الملاحقات القضائية الخارجية، خصوصا ان القضاء في الدول الاوروبية، ومنها فرنسا والمانيا، لا يخضع لضغوطات سياسية يمكن ان تؤثر على مساره الطبيعي.
هناك اجابات متعددة على هذه التساؤلات، ولكنها تبدو قابلة للنقض والنفي. ولكن الترجيحات تشير الى ان رئيس المجلس النيابي بما يمثل، لا يزال المرجعية الرئيسية التي تؤمّن الحماية والطمأنينة لسلامة. ويتردّد ان سلامة، ورغم غيابه الكلي عن الاضواء، بناء على نصائح تلقاها، الا انه لا يزال “صاحب نفوذ” في اسداء النصائح الى حاكمية مصرف لبنان الحالية، من وراء الستارة.
وهناك من يؤكد ان سلامة، الذي غادر منصبه في تموز 2023، عمل في الشهر الاخير من ولايته، على ضخ كميات استثنائية من الدولارات في السوق، في وقت كانت تتدفق فيه الدولارات من الموسم السياحي. وقد أدّى ذلك الى تخمة دولارية، سمحت لمصرف لبنان بعد ذلك، وبقيادة وسيم منصوري، بالتدخل في سوق الصرف، وتحقيق بعض الارباح، ومن ثم دوزنة السوق، بحيث بقي سعر صرف الليرة مستقرا حتى الان. وهذا الأمر رضي عنه بري، لأنه ساعد في نجاح مهمة منصوري، وتلميع صورته لدى الرأي العام اللبناني.
اما في موضوع الملاحقات القضائية، يبدو ان ملف سلامة جرى تجميده محليا، خصوصا ان خصوم الحاكم السابق، همدت همتهم، ولم يعد موضوع الدفع في اتجاه الضغط قضائياً عليه اولوية لديهم. ويرى البعض ان ورقة الضغط السياسي بواسطة ملاحقة سلامة فقدت قيمتها، وهذا هو سبب الفتور في المتابعة.
أما خارجياً، فان ملف سلامة القضائي غير مُجمّد، لكن تقدمه يحتاج الى مزيد من التعاون مع القضاء اللبناني، وهو امر ليس متاحاً حتى الان، سيما بعد نهاية ولاية سلامة، وتراجع الضغط السياسي في الافادة من ملفه.
كيف سينتهي هذا الملف، وهل سيبقى معلقا بحيث يتم التعايش معه على اساس انه ملف دائم وراكد، ولا يمكن اعادة تحريكه سوى بقرار سياسي كبير؟
هذه الخلاصة يمكن استنتاجها من كلام سياسيين كانوا على تماس مع قضية الحاكم السابق. وبعض هؤلاء يؤكد ان ملف محاكمة سلامة سيبقى معلقاً، لأنه من غير المسموح السير به الى الامام، ومن غير المسموح ايضا اغلاقه نهائيا، وتبرئة الرجل. وبالتالي، سيبقى سلامة حرا في هذه الحقبة، لكن مصيره سيبقى معلقاً بقرار سياسي كبير، لن يتم اتخاذه سوى في حالات الضرورة القصوى.