مايو 22, 2024

اخبار ذات صلة

القطاع الصناعي أهدر فرصة النمو بعد الانهيار

قد تكون غالبية تداعيات أزمة الانهيار المالي التي انفجرت في اواخر العام 2019، سلبية ومضرّة لمعظم القطاعات الاقتصادية في البلد، ومع ذلك، فان الأزمة أوجدت دينامية وظروفاً ساعدت بعض القطاعات الانتاجية على التوسّع والنمو، ومنها القطاع الصناعي.

وقد استفاد الصناعيون من مجموعة عوامل مستجدة بعد الانهيار، يُفترض أن تساعد في تطوير وتوسيع اعمالهم، يمكن ايجازها بالنقاط التالية:
اولا- انخفضت القدرات الشرائية للمواطنين بشكل عام، الامر الذي دفع شريحة كبيرة منهم الى الاستغناء عن المنتجات المستوردة، والتفتيش عن منتجات محلية أرخص.
ثانيا- تراجع الكلفة التشغيلية للانتاج الصناعي، خصوصا في السنة الاولى التي تلت الانهيار، حيث كانت معظم المواد مدعومة، بما فيها المحروقات التي كانت تستحوذ على نسب لا بأس بها من الكلفة الانتاجية.
ثالثا- عملية الدعم التي اتّبعت مع اندلاع الأزمة سمحت للصناعيين، دون سواهم من القطاعات، بمواصلة تحويل الاموال من المصارف بهدف استيراد المواد الاولية، الامر الذي ساعدهم على تجنّب التداعيات التي اصابت الكثير من القطاعات الاخرى الذي اصبحت عاجزة عن استخدام ارصدتها في المصارف.
رابعا- انخفاض الكلفة الاجمالية لليد العاملة، بسبب انهيار سعر الصرف. وفي الفترة الاولى، اصبحت المؤسسات الصناعية قادرة على خفض اجمالي ما تدفعه من اجور للعمال، الى اكثر من 70%. هذا في الفترة الاولى على الاقل، لأن الاجور عادت وارتفعت نسبياً مع الوقت، ولكنها لم تصل حتى اليوم، الى المستويات نفسها التي كانت قبل الانهيار.
خامسا- اصبحت القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية قائمة، سواء في الداخل او الخارج، وصار في مقدور الصناعيين توسيع انتاجهم، ليغطي الاستهلاك الداخلي، وزيادة فرص التصدير الى الاسواق الخارجية. ورغم ان اسواق الخليج كانت ضيقة بسبب الظروف السياسية، الا ان المعطيات السالفة الذكر، سمحت للصناعة بالتوجّه الى اسواق أبعد، منها الاوروبية، او حتى اسواق القارة الاميركية واستراليا.

هذه الظروف كان يُفترض ان تؤدي الى نهضة صناعية لافتة، والى ارقام انتاج وتصدير مرتفعة، تساهم في الدورة الاقتصادية، وتُدخل كميات لا بأس بها من العملة الصعبة الى البلد. لكن، النتائج المحقّقة، ووفق الارقام، لم تكن في حجم التوقعات، لأن المستثمرين في القطاع الصناعي لم يتسفيدوا بما يكفي من الوضع، لإحداث نقلة نوعية في الانتاج.

في المعطيات المتوفرة، ان مجموعة من العوامل أعاقت تحقيق تطوير سريع للقطاع الصناعي، من أهمها ما يلي:
اولا- ركّز بعض الصناعيين على مسألة الافادة من الوضع لسحب اموالهم من المصارف. وبدلا من التركيز على استخدام الاموال التي يُسمح بتحويلها لاستيراد مواد اولية، عمل البعض على التلاعب بفواتير الاستيراد، بحيث عمل على تهريب مُبرمج للاموال من خلال الابقاء على جزء منها في الخارج. وبالتالي، لم ينجح هؤلاء في توسيع اعمالهم، سوى بنسبة ضئيلة، وكل ما انجزوه انهم نجوا بأموالهم العالقة في المصارف.
ثانيا- لم تبادر الدولة الى اتخاذ الاجراءات الضرورية التي تتخذها الدول في العادة، في مواجهة الأزمات المالية الشبيهة بالأزمة اللبنانية. وبالتالي، لم يتم اعتماد تشريعات، تسمح باستمرار العمل المصرفي بالحد الأدنى، بحيث يكون قادرا على إقراض المشاريع الصناعية الجديدة. وبالتالي، صارت الاستثمارات تحتاج الى تمويل ذاتي من قبل المستثمر نفسه. وفي الظروف التي أوحت باستمرار الفوضى في البلد، لم يكن متاحاً جذب مستثمرين اجانب الى القطاع الصناعي. وفي العادة، يسارع المستثمرون الى المجيء الى الدول التي تعاني ازمات محددة، للافادة وتحقيق ارباح سريعة نسبياً. هذا الامر لم يحصل عندنا.
ثالثا- الاستثمارات الجديدة في القطاع الصناعي والتي كانت في غالبيتها من قبل مستثمرين لبنانيين، لم تكن كلها تهدف الى الاستثمار بقدر ما كانت تهدف الى انقاذ اموال عالقة في البنوك. بمعنى، ان البعض عمد الى دخول القطاع على عجل، للافادة من السماح له بتحريك امواله، من خلال التحويل لشراء المعدات الصناعية، او المواد الاولية لاحقا.
رابعا- لم تنجح الصناعة بشكل عام في تسويق منتجات رخيصة وذات نوعية جيدة، بدليل ان اسعار هذه المنتجات بقيت قريبة من اسعار المنتجات المستوردة. بل اكثر من ذلك، عندما توجه التجار الى مصادر ارخص للاستيراد، اصبحت السوق مليئة بمنتجات مستوردة وأرخص من بعض المنتجات المحلية.
هذه باختصار وضعية القطاع الصناعي، واذا كان لا بد من اعادة التركيز على الاقتصاد المنتج في المرحلة المقبلة، لا بدّ من تغيير هذه السياسة، ومعالجة الثغرات، ليصبح الاقتصاد المنتج قادرا على الاقلاع.

Facebook
WhatsApp
Twitter

اقرأ أيضاً