طغت في الاشهر الماضية على احاديث المسؤولين والسياسيين موضوع اللامركزية بالرغم من انه موضوع قديم ، وعقدت لقاءات ومؤتمرات حولها بحيث شكل هذا الامر موضوعا خلافيا مستجدا بين اللبنانيين ، وظهر وكأن المسيحيين يريدون اللامركزية بينما يتحفظ عليها المسلمون او يرفضونها.
1- تعرف اللامركزية
تعرف اللامركزية على انها تنظيم اداري يدخل ضمن نطاق العمل الديمقراطي الواسع والمتشعب حيث تتوزع السلطة على المستويات الإدارية المتعددة . وهي تعتبر مناقضة تماماَ للمركزية، فهي عملياَ نقل السلطة بأنواعها التنفذية والاقتصادية والتشريعية من مستوى إداري أعلى إلى مستوى اداري ادنى.
2 – اللآمركزية الإدارية في الطائف
منذ عقود عديدة يتم البحث والنقاش حول اعتماد اللامركزية الإدارية في لبنان لتحسين أداء الإدارة وتوفير الخدمات للمواطنين في كافة المناطق بعيداَ عن مركزية القرار والسلطة، وتكرس الأمر بشكل حاسم مع إقرار وثيقة الطائف في العام 1989التي نصت على اعتماد اللامركزية الإدارية من خلال:
1 – الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية.
2 – توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.
3 – إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمن الانصهار الوطني ويضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
4 – اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية.
5 – اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة.
3- مشروع قانون اللامركزية الإدارية كما اعدتة الحكومة اللبنانية
بالرغم من نص اتفاق الطائف على اعتماد اللامركزية الادارية ، وتأكيد الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الطائف في بياتانها الوزراية على اقرار اللامركزية لكن شيئا لم بتحقق حتى العام 2012 ، ففي 7/11/2012 أصدر رئيس مجلس الوزراء حينها نجيب ميقاتي قرارا يحمل الرقم 166/2012 شكّل بموجبه لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الادارية برئاسة وزير الداخلية والبلديات السابق المحامي زياد بارود وعضوية أخرين.يمثلون القوى السياسية والطائفية ،عقدت اللجنة 47 جلسة عمل في القصر الجمهوري في بعبدا أنجزت خلالها مشروع قانون اللامركزية الإدارية إضافةً إلى التقرير الذي يفسّر مشروع القانون والأسباب الموجبة ويشرح الخيارات التي اعتمدتها اللجنة”.
نص القانون في مادته الأولى،” تعتمد الدولة اللبنانية نظامًا لامركزيًا موسّعًا على مستوى مجالس محلّية منتخبة تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالإستقلالين الإداري والمالي وتمارس صلاحيات واسعة وتشمل المجالس البلدية ومجالس الأقضية ومجلس مدينة بيروت”. فيكون المشروع قد اعتمد القضاء وحدة لامركزية على أن ينتخب مجلس في كل قضاء يعطى صلاحيات إدارية واسعة جدًا ومالية مستقلة مدعومة بواردات تجيز لمجلس القضاء الاضطلاع بالمهمات العديدة العائدة له.
ألغى المشروع القائمقاميات ووظيفة القائمقام ونقل صلاحيات الأخير إلى مجلس القضاء المنتخب. وقد أبقى على وظيفة المحافظ كصلة وصل بين المناطق والمركز (عبر اللاحصرية)، ووضع عددًا من صلاحيات المحافظ التنفيذية في يد مجلس القضاء المنتخب.
تضمّن مشروع القانون، استبدال الصندوق البلدي المستقل بصندوق لامركزي يراعي ضرورات الإنماء المتوازن، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين الإداري والمالي ويخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة، من دون أي رقابة مسبقة. يتولّى الإشراف على أعمال الصندوق مجلس أمناء منتدبين من مجالس الأقضية والبلديات لولاية محدّدة. و أن تقسّم كتلة الأموال في الصندوق بنسبة 70% لمجالس الأقضية و30% للبلديات.وتقوم مديرية الخزينة والدين العام في وزارة المالية والمؤسسات العامة والخاصة والمختلطة والمصالح المستقلة بتحويل الأموال العائدة للصندوق التي تستوفيها لصالح الأقضية والبلديات، وذلك فصليًّا. ويوزّع مجلس الأمناء حصص الأقضية والبلديات من عائدات الصندوق مرة كل ستة أشهر. من المتوقّع أن تبلغ موازنة الصندوق السنوية ما يقارب 2% من مجموع الناتج المحلي، مقارنةً مع الصندوق البلدي المستقل الذي تشكّل موازنته 0.6% من الناتج المحلي، فيكون لبنان دخل إلى نادي الدول اللامركزية تمويليًا (حيث المعدّل العالمي هو 3%). مصادر تمويل الصندوق الأساسيّة ، هي 25% من الضريبة على القيمة المضافة؛ 10% من إجمالي فواتير الهاتف الخلوي؛ 25% من إيرادات الجمارك؛ 5% من مداخيل شركة اللوتو؛ و25% من رسوم الانتقال على التركات والوصايا.
أنشأ مشروع القانون، وزارة الإدارة المحلية، لتتولّى المساهمة في تطبيق أحكام قانون اللامركزية، ومعهد مركزي يتولّى إعداد العاملين والشرطة في مجالس الأقضية وتدريبهم.
نصّ القانون على اعتماد القضاء وحدة لامركزية (المادة الأولى والثانية من المشروع). مع استحداث اقضية جديدة ،فقد اقترحت اللجنة تقسيم محافظة عكار التي تضم قضاء” واحدا الى 3 اقضية ا(حلبا، ببنين، القبيات) ومحافظة بعلبك الهرمل إلى خمسة أقضية (بعلبك، شمسطار، اللبوة، الهرمل، دير الأحمر).
يدير شؤون القضاء مجلس قضاء يقوم ضمن نطاقه بممارسة صلاحيات عديدة نصّ عليها القانون
مجالس الأقضية مؤلّفة من هيئة عامة ومجلس إدارة. في ما يتعلّق بالهيئة العامة ينتخب أعضاؤها بالاقتراع المباشر وفق النظام الأكثري في كلّ من المدن والقرى ضمن القضاء الواحد. والجديد في المشروع انه اعطى الأشخاص من غير المسجّلين في أي من قرى وبلدات القضاء ، والقاطنين فعليًا في مدينة أو قرية معيّنة ويثبتون هذا السكن الفعلي خارج قضاء مكان قيدهم لمدّة ست سنوات من دون انقطاع مسدّدين الرسوم والضرائب البلدية المتوجبة، أن يمارسوا حقّ الاقتراع لممثّلين عنهم من السكان يترشحون على مستوى القضاء.أما مجلس الإدارة الذي ينبثق عن الهيئة العامة فهو مؤلّف من اثني عشر عضوًا، ينتخبون من قبل الهيئة العامة على أساس النظام النسبي واللائحة المقفلة، المكتملة أو غير المكتملة.كما
عزّز المشروع دور المرأة ومشاركتها من خلال اعتماد الكوتا الجندرية.
● الوضع المميَّز لمدينة بيروت
اعطى مشروع القانون وضعا مميزا لمدينة بيروت فنص على انشاء “مجلس مدينة بيروت” (الموازي لمجلس القضاء في سائر المناطق) الذي يحل مكان بلدية بيروت ، يتألف من هيئة عامة ومن مجلس إدارة، من دون تقسيم العاصمة،
تتألف الهيئة العامة من 72 عضوًا، أما مجلس إدارة مدينة بيروت، فيتألف من إثني عشر عضوًا، يتمثل فيه كل حي بعضو واحد، ويعتبر حكمًا فائزًا بعضوية مجلس الإدارة عن كل دائرة المرشّح الذي يحصل على العدد الأكبر من أصوات المقترعين فيها.
ويكون مجلس الادارة كامل الصلاحية والمسؤولية التنفيذية للسلطة اللامركزية المنتخبة، فيما يحتفظ المحافظ، بصفته ممثلاً للسلطة المركزية (اللاحصرية)، بحقّ حضور إجتماعات مجلس الإدارة (دون التصويت) والاطلاع على أعماله وطلب إعادة النظر بقراراته بكتاب معلّل، وبحق طرح المواضيع على جدول أعمال مجلس الإدارة للمناقشة.
4- مشاريع أخرى حول اللامركزية:
قدم عدد من الوزراء والنواب مشاريع قوانين حول اللامركزية الإدارية منها:
اقتراح قانون مقدم من النائب اوغست باخوس في العام 1995
مشروع مقدم من نائب رئيس مجلس الوزراء ميشال المر في العام 1999
مشروع قانون مقدم من نائب رئيس مجلس الوزراء الياس المر في العام 2001
اقتراح قانون مقدم من النائب روبير غانم في العام 2007
5- لماذا اللامركزية الان؟
تطرح اللامركزية اليوم بوصفها حلا للمشاكل الادارية والاقتصادية والخدماتية التي يعاني منها اللبنايون ، ولكن في الواقع فقد اخذ هذا الطرح طابعا طائفيا ، فيعتبر المسيحيون المطالبون باللامركزية انهم يدفعون 70% من دخل الدولة بينما لايحصلون سوى على 30% من نفقات الدولة أي انهم يمولون المناطق الاسلامية ، بالمقابل يعتبر المسلمون ان هذه الارقام والنسب غير صحيحة وانهم الاكثر عددا وبالتالي هم الذين يؤمنون النسبة الاكبر من تمويل الدولة ، والهدف من المطالبة باللامركزية هي مدخل للمطالبة مستقبلا بالتقسيم دولة للمسيحيين واخرى للمسلمين ، وهكذا اصبحت اللامركزية مادة خلافية قديمة – جديدة.